لقد أنزل الله تعالى حكماً قاطعاً في الكتب السماوية - في التوراة والزبور والإنجيل والقرآن - وأكّد عليه بلسان أنبيائه ورسله وأوصاهم بأن لا يعبدوا إلاّ الله وحده ولا يشركوا به شيئاً في العبادة ولا يقدّسوا شيئاً من المخلوقات ولا من المخلوقين ، فمن أشرك بالله أحداً من هؤلاء فمصيره جهنّم .
فقد قال الله تعالى في سورة الزمر مخاطباً رسوله محمّداً خاتم النبيّين {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ . بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ} ، وقال تعالى في سورة النساء {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} ، وقال تعالى في سورة لقمان عن لسانه {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} وقال تعالى في سورة البينة {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} .
وصور الإشراك مختلفة ومتعدّدة وليس الذي يعبد صنماً هو المشرك وحده ، فقد تعبد مزاراً أو قبراً لإمامٍ أو أحد المشايخ وفي ظنّك أنّه مجرّد مزار مقدّس تزوره وتقدّسه وتقبّل الأبواب والجدران ظناً منك أنّ هذا عمل صالح وأنّ الله يأجرك عليه ، ولكن ظنّك هذا خاطئ وأملك خائب وعملك إشراك وأنت معاقَب عليه ، لأنّ الله تعالى غيور لا يرضى أن تقدّس المخلوقات والمخلوقين أو تقبّل قبور الأنبياء والأولياء أو تقبّل الأبواب والجدران أو تركع لَهم بالتحية أو تنذر لَهم أو تستعين بِهم عند قيامك وقعودك أو تبكي عليهم أو تحلف بِهم ، فاليمين لا يجوز إلاّ بالله ، وحروف القَسم ثلاثة ، وهي الواو والباء والتاء (و ب ت) فتقول والله ، أو تقول بالله أو تالله . وقد علّمنا الله سبحانه في كتابه المجيد بأن نحلف به ولا نحلف بغيره ؛ فقال تعالى في سورة يونس مخاطباً رسوله الكريم {وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} ، وقال تعالى في قصة يوسف {قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} ، وقال تعالى في سورة التغابن {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} .
فالتعظيم لغير الله إشراك ، واليمين بغير الله إشراك ، وتقبيل القبور وجدران الأضرحة والأبواب إشراك : فقد قال تعالى في سورة الكهف {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} ، فكذلك اليوم أصبحت أكثر الناس تشرك بالله في هذه الأعمال وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً ، وقد قالوا كما قال الأوّلون ، وذلك في سورة الزمر {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} ، وقال تعالى في سورة يونس {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ} ، فإنّ قبور الأولياء لا تضرّ ولا تنفع ولا تقضي حوائج المحتاجين ، فقد قال تعالى في سورة المائدة {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} ، وقال تعالى في سورة الإسراء {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} ، وقال تعالى في سورة الأعراف {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} . هذا بعض ما جاء في القرآن نهياً عن عبادة الأوثان والقبور والمزارات .
وإليك بعض ما جاء في التوراة في هذا الخصوص :
فقد جاء في سفر لاويين (سفر الأحبار) في الفصل السادس والعشرين ، قال الله تعالى (لا تصنعوا لكم أوثاناً 1ولا منحوتات 2 ولا نصُباً 3 تقيموا لكم وحجراً مزخرفاً 4 لا تصنعوا في أرضكم لتسجدوا له لأنّي أنا الربّ إلاهكم .)
[1 الوثن: بناء مرتفع مستدير يُنسَب لأحد الآلهة المزعومة أو لأحد القدّيسين كالمقام المتّخذ في زماننا مثل مقام الخضر ومقام الصادق وغير ذلك .
2 المنحوتات : هي تماثيل المخلوقين كما تستعمله النصارى من تمثال مريم والمسيح والصليب وغير ذلك .
3 النصُب : هي أحجار ظاهرة تُنصَب في الجدار أو فوقه رمزاً لأحد الآلهة المزعومة أو لأحد الملوك أو لغيرهم ، ومثال ذلك حجر في إيران في "قدم كاه" يزورونه ويقبّلونه .
4 ما أكثر الأحجار المزخرفة في مراقد الأئمة والمشايخ ، وما أكثر من يقبّلها ويقدّسها ويتبرّك بِها في زماننا هذا .]
وجاء في ألواح النبي موسى (ع ) في سفر التثنية في الفصل الخامس ، قال الله تعالى (لا يكن لك آلهةٌ أخرى تجاهي ، لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً صورةً ما مِمّا في السماء من فوق وما في الأرض من أسفل وما في الماء من تحت الأرض ، لا تسجد لَها ولا تعبدها لأنّي أنا الربُّ إلاهكَ إلاهٌ غيور .)
منقول من كتاب ساعة قضيتها مع الارواح
للمرحوم محمد علي حسن